بعض ما عاناه أبو حاتم الرازى فى طلب العلم

من كتاب الجرح و التعديل لابن أبى حاتم رحمه الله  "باب ما لقى أبي من المقاساة في طلب العلم من الشدة"
**قال عبد الرحمن ابن أبى حاتم سمعت أبى يقول  بقيت بالبصرة في سنة أربع عشرة ومائتين ثمانية أشهر وكان في نفسي أن أقيم سنة فانقطع نفقتى فجعلت أبيع ثياب بدنى شيئا بعد شيء. حتى بقيت بلا نفقة ومضيت أطوف مع صديق لي إلى المشيخة وأسمع منهم إلى المساء فانصرف رفيقى ورجعت إلى بيت خال فجعلت أشرب الماء من الجوع ثم أصبحت من الغد وغدا على رفيقى فجعلت أطوف معه في سماع الحديث على جوع شديد فانصرف عنى وانصرفت جائعا فلما كان من الغد غدا على فقال مر بنا إلى المشايخ قلت انا ضعيف لا يمكننى قال ما ضعفك قلت لا أكتمك أمرى قد مضى يومان ما طعمت فيهما شيئا فقال لي قد بقى معي دينار فأنا أواسيك بنصفه ونجعل النصف الآخر في الكراء فخرجنا من البصرة وقبضت منه النصف دينار.


 **قال عبد الرحمن ابن أبى حاتم سمعت أبى يقول كنا في البحر فاحتلمت فأصبحت وأخبرت أصحابي به فقالوا لي اغمس نفسك في البحر قلت إنى لا أحسن أن أسبح فقالوا إنا نشد فيك حبلا ونعلقك من الماء فشدوا في حبلا و أرسلونى في الماء و أنا في الهواء أريد إسباغ الوضوء فلما توضأت قلت لهم أرسلونى قليلا فأرسلونى فغمست نفسي في الماء قلت ارفعونى فرفعونى.

** قال عبد الرحمن ابن أبى حاتم سمعت أبى يقول لما خرجنا من المدينة من عن داود الجعفري صرنا إلى الجار وركبنا البحر وكنا ثلاثة أنفس أبو زهير المَروَرُّوذي شيخ وآخر نيسابوري فركبنا البحر وكانت الريح في وجوهنا فبقينا في البحر ثلاثة أشهر وضاقت صدورنا وفنى ما كان معنا من الزاد وبقيت بقية فخرجنا إلى البر فجعلنا نمشي أياما على البر حتى فنى ما كان معنا من الزاد والماء فمشينا يوما وليلة لم يأكل أحد منا شيئا ولا شربنا واليوم الثاني كمثل واليوم الثالث كل يوم نمشي إلى الليل فإذا جاء المساء صلينا وألقينا بأنفسنا حيث كنا  وقد ضعفت أبداننا من الجوع والعطش والعياء فلما أصبحنا اليوم الثالث جعلنا نمشي على قدر طاقتنا فسقط الشيخ مغشيا عليه فجئنا نحركه وهو لا يعقل فتركناه ومشينا أنا وصاحبى النيسابوري قدر فرسخ أو فرسخين فضعفت وسقطت مغشيا على ومضى صاحبي وتركنى فلم يزل هو يمشى إذ بصر من بعيد قوما قد قربوا سفينتهم من البر ونزلوا على بئر موسى صلى الله عليه وسلم فلما عاينهم لوح بثوبه إليهم فجاءوه معهم الماء في إداوة فسقوه واخذوا بيده فقال لهم الحقوا رفيقين لي قد ألقوا بأنفسهم مغشيا عليهم فما شعرت الا برجل يصب الماء على وجهي ففتحت عيني فقلت اسقنى فصب من الماء في ركوة أو مشربة شيئا يسيرا فشربت ورجعت إلى نفسي ولم يرونى ذلك القدر فقلت اسقنى فسقانى شيئا يسيرا وأخذ بيدى فقلت ورائى شيخ ملقى قال قد ذهب إلى ذاك جماعة فأخذ بيدى و أنا أمشي أجر رجلي ويسقينى شيئا بعد شيء حتى إذا بلغت إلى عند سفينتهم و أتوا برفيقى الثالث الشيخ و أحسنوا إلينا أهل السفينة فبقينا أياما حتى رجعت إلينا أنفسنا ثم كتبوا لنا كتابا إلى مدينة يقال لها راية إلى واليهم وزودونا من الكعك والسويق والماء فلم نزل نمشي حتى نفد ما كان معنا من الماء والسويق والكعك فجعلنا نمشي جياعا عطاشا على شط البحر حتى وقعنا إلى سلحفاة قد رمى به البحر مثل الترس فعمدنا إلى حجر كبير فضربنا على ظهر السلحفاة فانفلق ظهره وإذا فيها مثل صفرة البيض فأخذنا من بعض الأصداف الملقى على شط البحر فجعلنا نغترف من ذلك الأصفر فنتحساه حتى سكن عنا الجوع والعطش ثم مرننا وتحملنا حتى دخلنا مدينة الراية و أوصلنا الكتاب إلى عاملهم فأنزلنا في داره وأحسن إلينا وكان يقدم إلينا كل يوم القرع ويقول لخادمه هاتى لهم باليقطين المبارك فيقدم إلينا من ذاك اليقطين مع الخبز أياما فقال واحد منا بالفارسية لا تدعو باللحم المشؤوم وجعل يسمع الرجل صاحب الدار فقال أنا أحسن بالفارسية فان جدتى كانت هروية فأتانا بعد ذلك باللحم ثم خرجنا من هناك وزودنا إلى أن بلغنا مصر.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قول دستور عند الاستئذان

الضفدع و نار إبراهيم

كلمات من ذهب للشيخ عطية الله الليبى رحمه الله